فصل: تفسير الآية رقم (70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (68):

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} كالكلام فيما تقدم أيضًا، ولعل تخريج ما ذكر على هذا الوجه أحسن من تخريج شيخ الإسلام فتأمل والله تعالى أعلم بحقائق ما أنزله من الكلام.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)}
{واتل عَلَيْهِمْ} عطف على المضمر العامل في {إِذْ نادى} [الشعراء: 10] إلخ أي أذكر ذلك لقومك واتل عليهم {نَبَأَ إبراهيم} أي خبره العظيم الشأن حسا أوحى إليك ليتأكد عندك لعدم تأثرهم بما فيه العلم بشدة عنادهم. وتغيير الأسلوب لمزيد الاعتناء بأمر هذه القصة لأن عدم الإيمان بعد وقوفهم على ما تضمنته أقوى دليل على شدة شكيمتهم لما أن إبراهيم عليه السلام جدهم الذي يفتخرون بالانتساب إليه والتأسي به عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (70):

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)}
{إِذْ قَالَ} منصوب على الظرفية لنبأ على ما ذهب إليه أبو البقاء أي نبأه وقت قوله: {لاِبِيهِ وَقَوْمِهِ} أو على المفعولية لأتل على أنه بدل من {نبأ} [الشعراء: 69] على ما يقتضيه كلام الحوفي أي أتل عليهم وقت قوله لهم: {مَا تَعْبُدُونَ} على أن المتلوما قاله عليه السلام لهم في ذلك الوقت. وضمير {قَوْمِهِ} عائد على إبراهيم، وقيل: عائد على أبيه ليوافق قوله تعالى: {إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} [الأنعام: 74] ويلزم عليه التفكيك.
وسألهم عليه السلام عما يعبدون ليبني على جوابهم أن ما يعبدونه عزل عن استحقاق العبادة بالكلية لا للاستعلام إذ ذلك معلوم مشاهد له عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (71):

{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)}
{قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} لم يقتصروا على الجواب الكافي بأن يقولوا أصنامًا كما في قوله تعالى: {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} [النحل: 30] {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر قَالَ *العفو} [البقرة: 219] إلى غير ذلك بل أطنبوا فيه بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنامهم مع أنه لم يسأل عنه قصدًا إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بذلك. وهو على ما في الكشف من الأسلوب الأحمق، والمراد بالظلول الدوام كما في قولهم: لو ظل الظلم هلك الناس. وتكون ظل على هذا تامة. وقد قال جيئها كذلك ابن مالك وأنكره بعض النحاة، وقيل: فعل الشيء نهارًا فقد كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل فتكون ظل على هذا ناقصة دالة على ثبوت خبرها لاسمها في النهار.
واختار بعض الأجلة لتبادر الدوام وكونه أبلغ مناسبًا لمقام الابتهاج والافتخار، واختار الزمخشري الثاني لأنه أصل المعنى وهو مناسب للمقام أيضًا لأنه يدل على إعلانهم الفعل لافتخارهم به. و{عاكفين} على الأول حال وعلى الثاني خبر والجار متعلق به. وإيراد اللام دون على لإفادة معنى زائد كأنهم قالوا نظل لأجلها مقبلين على عبادتها أو مستديرين حولها. وهذا أيضًا على ما قيل من جملة إطنابهم.

.تفسير الآية رقم (72):

{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)}
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من تفصيل جوابهم {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} دخل فعل السماع على غير مسموع، ومذهب الفارسي أنه حينئذٍ يتعدى إلى اثنين ولابد أن يكون الثاني مما يدل على صوت فالكاف هنا عنده مفعول أول والمفعول الثاني محذوف والتقدير هل يسمعونكم تدعون وحذف لدلالة قوله تعالى: {إِذْ تَدْعُونَ} عليه. ومذهب غيره أنه حينئذٍ متعد إلى واحد، وإذا وقعت بعده جملة ملفوظة أو مقدرة فهي في موضع الحال منه إن كان معرفة وفي موضع الصفة له إن كان نكرة.
وجوز فيها البدلية أيضًا. وإذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد اتفاقًا، ويجوز أن يكون ما هنا داخلًا على ذلك على أن التقدير هل يسمعون دعاءكم فحذف المضاف لدلالة {إِذْ تَدْعُونَ} أيضًا عليه، وقيل: السماع هنا عنى الإجابة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع» ومنه قوله عز وجل: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدعاء} [آل عمران: 38] أي هل يجيبونكم وحينئذٍ لا نزاع في أنه متعد لواحد ولا يحتاج إلى تقدير مضاف. والأولى إبقاؤه على ظاهر معناه فإنه أنسب بالمقام، نعم را يقال: إن ما قيل أوفق بقراءة قتادة. ويحيى بن يعرم {يَسْمَعُونَكُمْ} بضم الياء وكسر الميم من أسمع والمفعول الثاني محذوف تقديره الجواب. و{إِذْ} ظرف لما مضى. وجيء بالمضارع لاستحضار الحال الماضية وحكايتها. وإما كون هل تخلص المضارع للاستقبال فلا يضر هنا لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم وهو هنا كذلك لأن السماع بعد الدعاء، وقال أبو حيان: لابد من التجوز في {إِذْ} بأن تجعل عنى إذا أو التجوز في المضارع بأن يجعل عنى الماضي. واعتبار الاستحضار أبلغ في التبكيت. وقرئ بإدغام ذال {إِذْ} في تاء {تَدْعُونَ} وذلك بقلبها تاء وإدغامها في التاء.

.تفسير الآية رقم (73):

{أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)}
{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} بسبب عبادتكم لهم {أَوْ يَضُرُّونَ} أي يضرونكم بترككم لعبادتهم إذ لابد للعبادة لاسيما عند كونها على ما وصفتم من المبالغة فيها من جلب نفع أو دفع ضر. وترك المفعول للفاصلة. ويدل عليه ما قبله، وقيل: المراد أو يضرون من أعرض عن عبادتهم كائنًا من كان وهو خلاف الظاهر الذي يقتضيه العطف.

.تفسير الآية رقم (74):

{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)}
{قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} أضربوا عن أن يكون لهم سمع أو نفع أو ضر اعترافًا بما لا سبيل لهم إلى إنكاره واضطروا إلى إظهار أن لا سند لهم سوى التقليد فكأنهم قالوا: لا يسمعون ولا ينفعوننا ولا يضرون وإنما وجدنا آباءنا يفعلون مثل فعلنا ويعبدونهم مثل عبادتنا فاقتدينا بهم. وتقديم المفعول المطلق للفاصلة.

.تفسير الآية رقم (75):

{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)}
{قَالَ أَفَرَءيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} أي أنظرتم فأبصرتم أو تأملتم فعلمتم أي شيء استدمتم على عبادته أو أي شيء تعبدونه.

.تفسير الآية رقم (76):

{أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)}
{أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ الاقدمون} والكلام إنكار وتوبيخ يتضمن بطلان آلهتهم وعبادتها وأن عبادتها ضلال قديم لا فائدة في قدمه إلا ظهور بطلانه كما يؤذن بهذا وصف آبائهم بالأقدمين. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (77):

{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)}
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} قيل: تعليل لما يفهم من ذلك من إني لا أعبدهم أو لا تصح عبادتهم؛ وقيل: خبر لـ {ما كنتم} [الشعراء: 75] إذ المعنى أفأخبركم وأعلمكم ضمون هذا. واختار بعض الأجلة أنه بيان وتفسير لحال ما يعبدونه التي لو أحاطوا بها علمًا لما عبدوه أي فاعلموا أنهم أعداء لعابديهم الذين يحبونهم كحب الله تعالى لما أنهم يتضررون من جهتهم تضرر الرجل من جهة عدوه فإطلاق العدو عليهم من باب التشبيه البليغ.
وجوز أن يكون من باب المجاز العقلي بإطلاق وصف السبب على المسبب من حيث أن المغري والحامل على عبادتهم هو الشيطان الذي هو عدو مبين للإنسان والأول أظهر. والداعي للتأويل أن الأصنام لكونها جمادات لا تصلح للعداوة. وما قيل: إن الكلام على القلب والأصل فإني عدو لهم ليس بشيء.
وقال النسفي: العدو اسم للمعادي والمعادي جميعًا فلا يحتاج إلى تأويل ويكون كقوله: {وتالله لاكِيدَنَّ أصنامكم} [الأنبياء: 57] وصور الأمر في نفسه تعريضًا لهم كما في قوله تعالى: {لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] ليكون أبلغ في النصح وادعى للقبول. ومن هنا استعمل الأكابر التعريض في النصح. ومنه ما يحكي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أن رجلًا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. وسمع رجل ناسًا يتحدثون في الحجر فقال: ما هو بيتي ولا بيتكم. وضمير {أَنَّهُمْ} عائد على {مَا} [الشعراء: 75] وجمع مراعاة لمعناها. وإفراد العدو مع أنه خبر عن الجمع إما لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره أو لاتحاد الكل في معنى العداوة أو لأن الكلام بتقدير فإن كلًا منهم أو لأنه عنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما قيل.
وقوله سبحانه: {إِلاَّ رَبَّ العالمين} استثناء منقطع من ضمير {أَنَّهُمْ} عند جماعة منهم الفراء. واختاره الزمخشري أي لكن رب العالمين ليس كذلك فإنه جل وعلا ولي من عبده في الدنيا والآخرة لا يزال يتفضل عليه بالمنافع.
وقال الزجاج: هو استثناء متصل من ذلك الضمير العائد على {مَا كنتم تَعْبُدُونَ} [الشعراء: 75] ويعتبر شموله لله عز وجل وفي آبائهم الأقدمين من عبد الله جل وعلا من غير شك أو يقال: إن المخاطبين كانوا مشركين وهم يعبدون الله تعالى والأصنام. وتخصيص الأصنام هنا بالذكر للرد لا لأن عبادتهم مقصورة عليها ولو سلم أنه لذلك فهو باعتبار دوام العكوف وذلك لا ينافي عبادتهم إياه عز وجل أحيانًا، وقال الجرجاني: إن الاستثناء من {مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} و{إِلا} عنى دون وسوى وفي الآية تقديم وتأخير والأصل أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين أي دون رب العالمين فإنهم عدو لي ولا يخفى ما فيه.

.تفسير الآية رقم (78):

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)}
{الذى خَلَقَنِى} صفة لرب العالمين. ووصفه تعالى بذلك وا عطف عليه مع اندراج الكل تحت ربوبيته تعالى للعالمين زيادة في الإيضاح في مقام الإرشاد، وقيل: تصريحًا بالنعم الخاصة به عليه السلام وتفصيلًا لها لكونها أدخل في اقتضاء تخصيص العبادة به تعالى وقصر الالتجاء في جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار العاجلة والآجلة عليه تعالى.
{فَهُوَ يَهْدِينِ} عطف على الصلة أي فهو يهديني وحده حل شأنه إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور المعاش والمعاد هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح متجددة على الاستمرار كما ينبئ عنه الفاء وصيغة المضارع فإنه تعالى يهدي كل ما خلقه لما خلق له هداية متدرجة من مبتدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب منافعه ودفع مضاره إما طبعًا وإما اختيارًا مبدؤهاب النسبة إلى الإنسان هداية الجنين لامتصاص دم الطمث في المشهور ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بنعيمها المقيم، وجوز الحوفي. وغيره كون الموصول متبدأ وجملة {هُوَ يَهْدِيَنِى} خبره ودخلت الفاء في خبره لتضمنه معنى الشرط نحو الذي يأتيني فله درهم.
وتعبه أبو حيان بأن الفاء إنما يؤتى بما في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عامًا وهنا لا يتخيل فيه العموم فليس ما نحن فيه نظير المثال. وأيضًا الفعل الذي هو خلق مما لا يمكن فيه تجدد بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام فلعل ذلك على مذهب الأخفش من جواز زيادة الفاء في الخبر مطلقًا نحو زيد فاضربه، وأجيب بأن اشتراط العموم غير مسلم كما فصله الرضي وإنما هو أغلبي. وبأن مطلق الخلق مما يمكن فيه التجدد وهو ممكن الإرادة وإن ظهر في صورة المخصوص وتسبب الخلق للهداية قتضى الحكمة، وقيل: إنه سبب للإخبار بها لتحققها وليس بشيء ويلزم على الإعراب المذكور أن يكون الموصول في قوله سبحانه: